«المركزى للتعبئة العامة والإحصاء»: الإهمال السبب فى 51,2% من الحوادث
خبراء: تركيب أجهزة الإنذار الأتوماتيكية وقواطع التيار الكهربائى والتفتيش الدورى على المنشآت أهم عوامل الأمان
النوم على الأرض وعدم استنشاق الدخان أفضل طرق التعامل مع الحرائق
عاش المجتمع المصرى خلال الأيام الماضية لحظات مؤلمة بسبب الحرائق التى راح ضحيتها العشرات من المواطنين، وكان أبرزها حريق كنيسة أبوسيفين بالجيزة وكنيسة الأنبا بيشوى فى المنيا.
هذه الحرائق خاصة تلك التى وقعت من قبل فى الأماكن التجارية المشهورة كالعتبة والموسكى وحارة اليهود لم تكن وليدة الصدفة، بل تندلع نتيجة عدة أسباب أبرزها عدم الالتزام بمعايير وشروط الأمان والسلامة المهنية فى المبانى، مع التوصيلات الكهربائية العشوائية التى تعد القاسم المشترك فى معظم الحرائق، فضلاً عن ارتفاع درجات الحرارة فى بعض الأوقات.
ووفقاً لعدد من الخبراء، إن عدم تكرار هذه الحوادث يتوقف على عدة عوامل، أهمها الالتزام بنصوص قانون البناء الموحد وتنفيذ ضوابط وشروط البناء، إضافة إلى تطبيق معايير السلامة والأمان بحذافيرها، خاصة معايير الدفاع المدنى مثل أبعاد السلالم والمبانى ووجود طفايات الحريق بكثرة.
مؤخراً فزعت مصر كلها لمشاهد اندلاع حريق بكنيسة أبوسيفين فى الجيزة، الذى راح ضحيته 42 شخصاً بينهم 15 طفلاً، وأظهرت قائمة الوفيات أن 3 توائم أطفال فى عمر 5 سنوات ضمن الضحايا، بينما توفى 3 أطفال أشقاء آخرين فى نفس الحادث.
وأكدت وزارة الصحة، أن أغلب وفيات حريق كنيسة أبوسيفين نتجت عن حالات اختناق بسبب استنشاق الدخان الناجم عن الحريق، كما وقعت بعض الوفيات بسبب التدافع أثناء محاولة الفرار من الحريق عبر مخرج مغلق.
فيما أرجعت وزارة الداخلية سبب الحريق إلى خلل كهربائى، حيث أسفر فحص أجهزة الأدلة الجنائية عن أن الحريق نشب بتكييف بالدور الثانى بمبنى الكنيسة، الذى يضم عدداً من قاعات الدروس، أدى إلى انبعاث كمية كثيفة من الدخان كانت السبب الرئيسى فى حالات الإصابات والوفيات.
ومع أن حريق كنيسة الأنبا بيشوى فى المنيا لم يسفر عن وقوع ضحايا إلا أنه تسبب فى تدمير محتويات الكنيسة بشكل كبير، وتوصلت التحقيقات التى أجرتها النيابة العامة إلى أن منشأ الحريق هو بعض الشموع التى كان يلهو بها طفلان من أبناء الكنيسة داخل الهيكل بالقرب من المذبح، وذلك عن غير قصد منهما، وفقاً لبيان صادر عن الكنيسة الأرثوذكسية.
هذه الحرائق لم تكن هى الأولى من نوعها، ولكن سبقتها حرائق أخرى فى عدد من المناطق خاصة التجارية المزدحمة مثل العتبة والموسكى وغيرها، وفى كل مرة يروح ضحيتها عدد من الأشخاص والممتلكات.
ووفقاً لإحصاءات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء شهدت مصر 51533 حادثاً عام2021، مقابل51963 حادثاً عـام 2020 بنسبة انخفاض قدرها 0,8%، وبلـغ عدد المتوفين جراء هذه الحوادث 252 متوفيا، مقابل 199 متوفى عام2020 بنسبة ارتفاع قدرها 26,6% عن عام 2019، وبلغ عدد المصابين 824 مصاباً عام 2021، مقابل 878 مصاباً عام 2020 بنسبة انخفاض قدرها 6,2% عن عام 2020.
أسباب الحرائق
وذكر الجهاز أن الإهمال جاء فى المرتبة الأولـى لحوادث الحريق بعـدد 26400 بنسبة 51,2%، يليه الحريق العارض بعدد 25037 حادثة بنسبة 48,6%، ثم الحريق العمــد بعدد 96 حادثاً بنسبــة 0,2% خلال عام 2021.
فى هذا الصدد، قال اللواء ممدوح عبدالقادر، مدير الحماية المدنية بالقاهرة الأسبق، إن من أبرز أسباب تكرار حوادث الحرائق فى المبانى، ارتفاع درجات الحرارة بشكل غير طبيعى، مشيراً إلى أن هذا الارتفاع يهيئ المكان إلى زيادة الاشتعال عند حدوث أى حريق صغير.
وأضاف عبدالقادر أنه من ضمن الأسباب أيضاً التوصيلات الكهربائية العشوائية، التى تعتبر القاسم المشترك فى معظم الحرائق، وهى سلوك بشرى صعب تغييره، مشيراً إلى أن التوصيلات الكهربائية العشوائية لا تتحمل الضغط العالى مثل أجهزة التكييف وإنما تتحمل الضغط الخفيف مثل أجهزة التليفزيون، وإهمال بعض المواطنين يزيد من الكارثة، إضافة إلى إسناد عمليات صيانة المنشآت لغير المتخصصين.
وحول مدى خطورة استخدام المولدات الكهربائية على اندلاع الحرائق، أكد مدير الحماية المدنية الأسبق بالقاهرة أن المولدات الكهربائية ليست خطيرة وإنما الأمر يتوقف على نوعية المولد المستخدم، فإذا كان بدائياً يدوياً، فإنه قد يتسبب فى بعض المشاكل، بينما المولدات الآلية الأوتوماتيكية توصيلاتها سليمة ولا تتسبب فى مشاكل، مشيراً إلى أن ما حدث مؤخراً فى كنيسة أبوسيفين فى إمبابة أنه تم تشغيل المولد الكهربائى يدوياً فى نفس توقيت عودة التيار الكهربائى ما تسبب فى حدوث ماس كهربى أدى إلى اشتعال الحريق، بينما لو كان أوتوماتيكياً ما حدث الحريق.
وفيما يتعلق بأسلوب التعامل الأمثل عند اندلاع الحريق، قال عبدالقادر، إن ما ينتج عن الحريق عنصران هما النار والدخان، أما النار فالشخص يراها ويشعر بها، وبالتالى يستطيع التعامل معها سواء بالتحرك بعيداً عنها أو الحماية منها بأى وسيلة، لكن الأخطر هو الدخان الذى يحتوى على مواد سامة، ويستنشقه الشخص دون أن يدرى، مؤكداً أن الإنسان لا يستطيع الوجود فى مكان الدخان لفترة تتجاوز الدقيقتين، وعند تعرضه لهذا الموقف يبحث عن مخرج للهرب، لأن استنشاقه يتسبب فى غلق الجهاز التنفسى ثم الإغماء والوفاة.
وتابع «فى حالة عدم وجود مخرج للهرب يجب على الشخص النوم على الأرض، لأنه توجد مسافة أمان من بداية سطح الأرض حتى تصاعد الدخان الناتج عن الحريق، تتراوح بين 10 و15 سنتيمتراً، ولذلك فالنوم على الأرض يمثل حماية للإنسان مع ضرورة وضع الملابس أو أية أقمشة على الفم للتخفيف من استنشاق الدخان والحد من خطورته على التنفس، حتى يجد الشخص مخرجاً مناسباً للهرب».
ثقافة السلامة
وقال الدكتور تامر شراكى، استشارى الأمن والسلامة المهنية، إن أسباب تكرار حوادث الحرائق تتمثل فى عدم وجود ثقافة السلامة لدى أفراد المجتمع وعدم وجود برامج توعية بوسائل الإعلام، مشيراً إلى أن هذا هو دور وزارات الداخلية والصحة والإعلام عن طريق إنتاج مقاطع فيديو قصيرة مثلاً أو برامج تليفزيونية مخصصة للتوعية والإرشاد تناسب المجتمع بطريقة سهلة ومبسطة لشرح ثقافة الوقاية والحماية.
وأضاف استشارى الأمن والسلامة المهنية أن كثرة تشغيل الأجهزة الكهربائية خلال فصل الصيف واستعمال أجهزة وموصلات كهربائية رديئة يتسبب فى نشوب الحريق، مع تكرار الأعطال الكهربائية،
أو وجود مواد سهلة الاشتعال بالقرب من الأجهزة الكهربائية التى تستخدم لأغراض التسخين، ما يجعل المكان معرضاً لخطر الحريق.
وأوضح شراكى أن تخزين المخلفات القابلة للاشتعال أعلى أسطح المنازل وفى الشرفات سواء الأوراق أو الأخشاب، تتفاعل مع الحرارة وبمجرد إلقاء سيجارة عليها ينتج عنها حريق، فضلاً عن وجود بعض الأخطاء البشرية فى التعامل مع الحرائق تؤدى إلى نشوبها فى المنازل والشقق، مثل ترك الأجهزة الكهربائية تعمل لساعات عديدة، ما قد يتسبب فى ماس كهربائى وأهمها أجهزة التكييف.
وعن أبرز وسائل الأمان المفترض وجودها فى أى مبنى، لفت شراكى إلى أنها تتمثل فى منع التدخين، ووضع أوعية رملية فى الأماكن المسموح فيها بالتدخين، واتخاذ الوسائل المعتمدة ضد حدوث الشرر الكهربائى، واستخدام أجهزة قواطع التيار الكهربية والالتزام بتعليمات الأمن والسلامة بالمكان، فضلاً عن التفتيش والفحص الدورى لأماكن العمل، إذ يعتبر التفتيش بشكل دورى فى كل مواقع العمل، حتى إن كانت مصممة ضد الحرائق والوقاية منها، من أهم الإجراءات الوقائية ضد وقوع الحرائق.
كما يجب طبقاً لاشتراطات إدارة الحماية المدنية، تركيب نظام أمان بالمبنى مثل توريد عدد من طفايات الحريق مختلفة الوسائط الإطفائية (البودرة الكيميائية الجافة وطفايات الرغوة ذات سعات وأحجام تناسب حجم ومساحة المبانى)، إضافة إلى وجود إرشادات وملصقات للسلامة ووجود خطة للطوارئ، والالتزام بها للحد من خطر نشوب الحرائق ومراجعتها بشكل دورى، وتركيب نظام الإنذار الأتوماتيكى (التلقائى) فى المبانى، مع استخدام أنظمة الإنذار الأتوماتيكية فى الأماكن والقاعات التى تتزايد احتمالات حدوث الحرائق بها، وما قد ينجم عنها من خسائر، وهى مهام إدارة السلامة والصحة المهنية وتأمين بيئة العمل بالمنشآت والمؤسسات سواء الخدمية أو الإنشائية أو الإدارية أو الطبية.
وأوضح أن تركيب أجهزة الإنذار الأتوماتيكية يسمح باختصار الفترة الزمنية الواقعة بين لحظة وقوع الحريق ولحظة اكتشافه، ما يفسح المجال أمام سرعة التدخل وفاعلية عمليات المكافحة والسيطرة على الحريق، وبالتالى تقليل حجم الخسائر الناجمة عنه.
وأكد شراكى أن مسئولية متابعة السلامة الإنشائية للمبانى تقع على عاتق عدة جهات أبرزها الأجهزة المحلية والحماية المدنية ووزارة القوى العاملة وأجهزة المناطق الصناعية والرقابة الصناعية.
ولفت استشارى الأمن والسلامة المهنية إلى أن أى مبنى يجب أن يكون له تصميم هندسى، مطابق للكود المصرى والدولى لاشتراطات السلامة ومخارج الطوارئ، مشيراً إلى أن المخططات الهندسية تتم مراجعتها هندسياً من قبل استشارى هندسى معتمد بنقابة المهندسين، ويتم اعتمادها وتوقيعه عليها قبل البدء فى أى أعمال إنشائية، والحصول على الموافقات اللازمة من قبل الجهات المعنية مثل الحى التابع له المبنى وإدارة الحماية المدنية.
معايير الأمان والسلامة
فيما قال الدكتور حمدى عرفة، أستاذ الإدارة المحلية، إن قانون البناء الموحد الصادر 2008، اشترط فى أى مبنى سواء كان حكوميا أوغير حكومياً، وجود عدة معايير للأمان والسلامة، وأهمها: وجود سلم للهروب عند اندلاع الحريق، وتوافر طفايات حريق للدفاع المدنى، وغرفة خاصة بالكهرباء فقط، واشترط القانون أن يتم استيفاء هذه المعايير قبل إقامة المبنى، مشيراً إلى أنه فى الدول المتقدمة هناك أجهزة لاستشعار الحرائق يتم وضعها فى سقف الغرف، ودائماً ما يتم استخدامها فى الفنادق، بحيث تستشعر هذه الأجهزة وجود دخان فى المكان، وعلى الفور تبدأ بإنذار المسئولين بوجود حريق.
ولكيلا تتكرر حوداث الحرائق، طالب أستاذ الإدارة المحلية، بضرورة الرجوع إلى قانون البناء الموحد وتنفيذ ضوابط وشروط البناء، وتطبيق معايير السلامة والأمان بحذافيرها، خاصة معايير الدفاع المدنى مثل أبعاد السلم والمبنى ووجود طفايات الحريق.
وأشار عرفة إلى أن مصر بها عجز فى أعداد المفتشين على متابعة تنفيذ تصميمات المبانى قبل وبعد الانتهاء منها، موضحاً أن أبرز الجهات المشرفة على ذلك وزارة القوى العاملة والإدارات المحلية والدفاع المدنى، كما أن هناك نقصاً فى طفايات الحريق داخل المبانى، مع وجود توصيلات كهربائية مغشوشة لا تتحمل الضغط العالى.
وتابع «قانون العمل رقم 12 لسنة 2003 أيضاً ينص على مراقبة جميع اشتراطات السلامة والصحة المهنية بجميع المنشآت الحكومية وغير الحكومية للحد من المخاطر الفيزيائية والكيمايائية والبيولوجية والكهربائية والميكانيكية ومن ضمنها بالتأكيد الحرائق».